سورة النساء - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


{والله أعلم بأعدائكم} فهو يُعْلِمكم ما هم عليه {وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً} أَيْ: إنَّ ولايته ونصرته إيَّاكم تُغنيكم عن غيره من اليهود، ومَنْ جرى مجراهم.
{ومن الذين هادوا} أَيْ: قومٌ {يحرِّفون الكلم عن مواضعه} أَيْ: يُغيِّرون صفة محمَّد صلى الله عليه وسلم وزمانه، ونبوَّته في كتابهم {ويقولون سمعنا} قولك {وعصينا} أمرك {واسمع غير مسمع} كانوا يقولون للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: اسمع، ويقولون في أنفسهم: لا سمعت {وراعنا ليَّاً بألسنتهم} أَيْ: ويقولون راعنا، ويوجِّهونها إلى شتم محمَّد عليه السَّلام بالرُّعونة، وذكرنا أنَّ هذا كان سبَّاً بلُغتهم {ولو أنَّهم قالوا سمعنا وأطعنا} مكان قولهم: سمعنا وعصينا وقالوا {واسمع وانظرنا} أَيْ: انظر إلينا؛ بدل قولهم: راعنا {لكان خيراً لهم} عند الله {ولكن لَعَنَهُمُ الله بكفرهم} فلذلك لا يقولون ما هو خيرٌ لهم {فلا يؤمنون إلاَّ قليلاً} أَيْ: إيماناً قليلاً، وهو قولهم: اللَّهُ ربُّنا، والجنَّةُ حقٌّ، والنَّارُ حقٌّ، وهذا القليل ليس بشيءٍ مع كفرهم بمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وليس بمدحٍ لهم.
{يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً} أَيْ: نمحو ما فيها من عينٍ، وفم، وأنفٍ ومارن، وحاجب، فنجعلها كخفِّ البعير، أو كَحَافِرِ الدَّابة {فنردها على أدبارها} نُحوِّلها قبل ظهورهم {أو نلعنهم} أو نجعلهم قردة وخنازير كما فعلنا بأوائلهم {وكان أمر الله مفعولاً} لا رادَّ لحكمه ولا ناقض لأمره.


{إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به...} الآية. وعد الله تعالى في هذه الآية مغفرة ما دون الشِّرك، فيعفو عن مَنْ يشاء، ويغفر لمِنْ يشاء إلاَّ الشِّرك؛ تكذيباً للقدريَّة، وهو قوله: {ويغفر ما دون ذلك} أَيْ: الشِّرك {لمن يشاء ومَنْ يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً} أَيْ: اختلق ذنباً غير مغفور.
{ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم} أَيْ: اليهود قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، وما عملناه باللَّيل كُفِّر عنَّا بالنَّهار، وما عملناه بالنَّهار كُفِّر عنَّا باللَّيل {بل الله يزكِّي من يشاء} أَيْ: يجعل مَنْ يشاء زاكياً طاهراً نامياً في الصَّلاح. يعني: أهل التَّوحيد {ولا يُظلمون فتيلاً} لا ينقصون من الثواب قدر الفتيل، وهو القشرة الرَّقيقة التي حول النَّواة، ثمَّ عجَّب نبيَّه عليه السَّلام من كذبهم، فقال: {انظر كيف يفترون على الله الكذب} يعني: قولهم: يكفِّر عنَّا ذنوبنا {وكفى به} بافترائهم {إثماً مبيناً} أَيْ: كفى ذلك في التَّعظيم.
{ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب} يعني: علماء اليهود {يؤمنون بالجبت} أَيْ: الأصنام {والطاغوت} سدنتها وتراجمتها، وذلك أنَّهم حالفوا قريشاً على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسجدوا لأصنام قريش، وقالوا لهم: أنتم أهدى من محمَّدٍ عليه السَّلام، وأقوم طريقةً وديناً، وهو قوله: {ويقولون للذين كفروا} يعني: قريشاً {هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً}، وقوله: {أم لهم نصيبٌ} أَيْ: بل أَلهم نصيب من الملك؟ يعني: ليس لليهود ملك، ولو كان إذاً لهم لم يُؤتوا أحداً شيئاً، وهو قوله: {فإذاً لا يؤتون الناس نقيراً} أَيْ: لضنُّوا بالقليل. وصفهم الله بالبخل في هذه الآية، والنَّقير يُضرب مثلاً للشَّيء القليل، وهو نقرةٌ في ظهر النَّواة منها تنبت النَّخلة.
{أم يحسدون الناس} يعني: محمَّداً عليه السَّلام {على ما آتاهم الله من فضله} حسدت اليهود محمَّداً عليه السَّلام على ما آتاه الله من النُّبوَّة، وما أباح له من النِّساء، وقالوا: لو كان نبيَّاً لشغله أمر بالنُّبوَّة عن النِّساء، فقال الله تعالى: {فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة} يعني: النُّبوَّة {وآتيناهم ملكاً عظيماً} يعني: ملك داود وسليمان عليهما السَّلام، وما أُوتوا من النِّساء، فكان لداود تسعٌ وتسعون، ولسليمان ألفٌ من بين حُرَّةٍ ومملوكةٍ، والمعنى: أيحسدون النَّبيَّ عليه السَّلام على النُّبوَّة وكثرة النِّساء وقد كان ذلك في آله؛ لأنَّه من آل إبراهيم عليه السَّلام.
{فمنهم} من أهل الكتاب {من آمن به} بمحمَّدٍ عليه السَّلام {ومنهم مَن صدَّ عنه} أعرض عنه فلم يؤمن {وكفى بجهنَّم سعيراً} عذاباً لمَنْ لا يؤمن.


{كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها} يعني: أنَّ جلودهم إذا نضجت واحترقت جُدِّدت، بأن تُردَّ إلى الحال التي كانت عليها غير محترقة {ليذوقوا العذاب} ليقاسوه وينالوه {إنَّ الله كان عزيزاً} قوياً لا يغلبه شيء {حكيماً} فيما دبَّر، وقوله: {وندخلهم ظلاً ظليلاً} يعني: ظلَّ هواء الجنَّة، وهو ظليلٌ، أَيْ: دائمٌ لا تنسخه الشَّمس.
{إنَّ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} نزلت في ردِّ مفتاح الكعبة على عثمان بن طلحة الحجبيِّ حين أُخذ منه قسراً يوم فتح مكة، فأمره الله تعالى بردِّه عليه، ثمَّ هذه الآية عامَّةٌ في ردِّ الأمانات إلى أصحابها كيف ما كانوا {إنَّ الله نِعِمَّا يعظكم به} أَيْ: نِعمَ شيئاً يعظكم به، وهو القرآن {إنَّ الله كان سميعاً} لمقالتكم في الأمانة والحكم {بصيراً} بما تعملون فيها، قال أبو روق: «قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لعثمان: أعطني المفتاح، فقال: هاكَ بأمانة الله، ودفعه إليه، فأراد عليه السَّلام أن يدفعه إلى العباس، فنزلت هذه الآية، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لعثمان: هاك بأمانة الله، خالدةً تالدةً، لا ينزعها عنكم إلاَّ ظالم، ثمَّ إنَّ عثمان هاجر ودفع إلى أخيه شيبة، فهو في ولده إلى اليوم».

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8